استراتيجيات التقاعد وخطط الادخار الضرورية: اكتشف كيف تصنع مستقبلك المالي بخطوات بسيطة!
الرباط- يقف مواطن مغربي أمام محل بيع الدواجن بأحد الأحياء الشعبية ضواحي الرباط، يستفسر عن سعر الكيلوغرام من الدجاج الرومي الحي، يخبره البائع بالثمن وهو 27 درهما (حوالي 2,7 دولار)، يبتسم ويغادر خاوي الوفاض.
وتعد اللحوم البيضاء من المواد الأساسية في المائدة المغربية، فهي الأكثر استهلاكا بالنظر لأسعارها المناسبة لجيوب الفئات الفقيرة والمتوسطة مقارنة بأسعار اللحوم الحمراء.
وانتقلت حالة الاستياء من غلاء الدواجن إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث أطلق ناشطون دعوات لمقاطعة شراء الدواجن إلى حين انخفاض ثمنها في إطار مواجهة الغلاء بالاستغناء.
غير أن العديد من المواطنين لم يجدوا أمامهم من خيار سوى الشراء وفي أنفسهم حسرة وغصة بسبب ارتباط فصل الصيف بتنظيم حفلات الأعراس واستقبال المغاربة لعائلاتهم المقيمة بالخارج.
وتعتبر اللحوم البيضاء والحمراء من العناصر الأساسية في مائدة الطعام في الأعراس المغربية، حيث يتم تقديم أطباق الدجاج المحمر ولحم البقر المزين بالبرقوق.
تقول فاطمة الزهراء إن عائلتها خصصت ميزانية لتنظيم عرس شقيقتها في الصيف، لكنهم فوجئوا أن هذه الميزانية غير كافية بالنظر للارتفاع الذي شهدته المواد الغذائية، فلم يجدوا أمامهم سوى تنظيم عرس عائلي وتقليص عدد المدعوين.
وفي جولة في الأسواق في المناطق الشعبية، تراوح سعر الكيلوغرام من الدجاج الرومي ما بين 27 و30 درهما (ما بين 2.77 و3 دولارات) والدجاج البلدي ما بين 70 و 75 درهما (أي ما بين 7 و 7.5 دولارات)، في حين بلغ سعر الكيلوغرام من لحم الغنم 120 درهما (12 دولارا) والكيلوغرام من لحم البقر 100 درهم (10 دولارات)، أما الفواكه فتتراوح أسعارها بين 15 و30 درهما للكيلوغرام (أي 1.5 و3 دولارات).
أسباب وتفسيرات
يفسر مصطفى المنتصر رئيس الجمعية الوطنية لمنتجي لحوم الدواجن، للجزيرة نت ارتفاع أسعار اللحوم البيضاء بعدة أسباب.
- ارتفاع درجات الحرارة في شهر يوليو/ تموز ما تسبب في انخفاض المردودية ب 25%.
- ارتفاع الطلب حيث إن غلاء اللحوم الحمراء جعل المستهلكين يتجهون نحو اللحوم البيضاء.
- ارتفاع أسعار الأعلاف الذي أدى إلى انخفاض الإنتاج.
ويقول المنتصر “بعد أزمة كوفيد-19 ارتفعت أسعار الأعلاف عالميا ثم انخفضت في العديد من دول العالم إلا في المغرب، إذ ظلت على حالها مما جعل الفلاحين متخوفين من الاستثمار، فالكلفة المرتفعة في نظرهم تعد مجازفة كبيرة”.
ولفت المتحدث إلى أن المهنيين حذروا في مناسبات سابقة من وقوع هذا السيناريو إلا أن الحكومة لم تلتفت لتحذيراتهم.
وأوضح قائلا ” نبهنا سابقا إلى أن قلة الاستثمار في القطاع بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف ستؤدي إلى انخفاض الإنتاج وسترتفع الأسعار في الصيف لارتفاع الطلب وقلة العرض”.
وحسب المتحدث فإن اللحوم البيضاء تشكل 58% من البروتينات الحيوانية التي يستهلكها المغاربة، أما الباقي فيتم استهلاكه من خلال اللحوم الحمراء والأسماك.
ويشير المنتصر إلى أن الإنتاج الأسبوعي من اللحوم البيضاء في العادة كان يبلغ حوالي 1200 طن، وذلك عبر تربية 9 ملايين و200 ألف فرخ، لكن حاليا يصل الإنتاج إلى 8 ملايين فرخ أسبوعيا.
أما بخصوص ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، فيفسر هشام الجوابري الكاتب الجهوي لتجار اللحوم بالجملة في الدار البيضاء ذلك بسنوات الجفاف المتوالية التي أثرت على القطيع المحلي.
وأوضح الجوابري للجزيرة نت أن قلة الأمطار رافقها غلاء أسعار الأعلاف مما دفع الفلاح للتخلص من القطيع، مشيرا إلى أن الحكومة فتحت باب الاستيراد لكنها عملية مكلفة ومعقدة.
وقال المتحدث إن دعم الأعلاف الذي توفره الحكومة للفلاحين غير كاف ويصرف بطريقة تقليدية مما يجعله بلا نتيجة أو تأثير على الإنتاج.
وأوضح الجوابري “تصرف الحكومة للفلاحين أكياس من الشعير في إطار دعم الأعلاف وهو غير كاف، كون القطيع لا يحتاج إلى الشعير فقط بل أنواع أخرى من الأعلاف مثل الدخنة وهذه ثمنها مرتفع”.
واقترح المتحدث على الحكومة عدة إجراءات للتعامل مع الوضع منها أن تتم عملية الاستيراد بمرونة وسلاسة ومن دون تعقيدات من جانب المكتب الوطني للسلامة الصحية ووزارة الفلاحة، ثم تقديم دعم حقيقي للفلاحين لتشجيعهم على الزيادة في الإنتاج.
وعلى المدى البعيد، يقترح الجوابري منع ذبح النعاج والبقر لتكثيف التوالد في أفق تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطيع المحلي كما كان الحال سابقا قبل سنوات الجفاف.
وتوقع الجوابري ألا تشهد أسعار اللحوم الحمراء انخفاضا في الفترة المقبلة، قائلا “بالنسبة للمهنيين فإن المعطيات المتوفرة لا تشير إلى إمكانية انخفاض أسعار اللحوم الحمراء، إذا لم ترتفع فإنها لن تنخفض”.
بالمقابل، توقع مصطفى المنتصر أن تبدأ أسعار اللحوم البيضاء في الانخفاض ابتداء من 25 أغسطس/آب إلى غاية 15 سبتمبر/ أيلول حيث ستعود إلى سابق عهدها أي 15 درهما (1.5 دولارا) للكيلوغرام من الدجاج.
استياء وتذمر
وشمل الغلاء العديد من المواد الغذائية من لحوم وأسماك وفواكه وخدمات، مما جعل حالة عامة من الاستياء والتذمر تنتشر في صفوف المواطنين من الفئات الفقيرة والمتوسطة.
ووجهت النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية نادية تهامي أسئلة كتابية لوزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات تسائله عن الارتفاع الذي تشهده العديد من المواد الأساسية ومنها اللحوم البيضاء والحمراء.
وقالت البرلمانية للجزيرة نت إنها رصدت في لقاءاتها مع المواطنين حالة من الغضب بسبب غلاء الأسعار في موسم الصيف الذي يشهد ارتفاع الاستهلاك، بسبب تنظيم الحفلات واستقبال المغاربة لعائلاتهم المقيمة في الخارج.
وأضافت “شهدت لحوم الدواجن التي تعتبر من المواد الأكثر استهلاكا من طرف المواطنين ارتفاعا مهولا وصاروخيا ولم تعد في متناول المستهلكين كما كانت سابقا”.
وقالت المتحدثة إن الغلاء طال المواد الأساسية بجميع أنواعها مقابل ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، لافتة إلى أن الفواكه مثلا رغم توفرها في الأسواق بكثرة فإن أسعارها غالية ولا تناسب جيوب المواطنين، ومن ضمنهم المنتمون للطبقة المتوسطة.
وتؤكد البرلمانية نادية تهامي أن دور حزبها المنتمي إلى المعارضة هو تنبيه الحكومة إلى معاناة المواطنين من غلاء معظم المواد الأساسية وحثها على التدخل عاجلا، لحماية المستهلكين وكبح الارتفاع الصاروخي للأسعار واتخاذ الإجراءات اللازمة لمراقبة الأسعار، منبهة إلى أن عدم تدخل الحكومة لدعم القدرة الشرائية للمواطنين قد يحول حالة الاستياء إلى احتجاجات.
لقاءات حكومية
وللتعامل مع هذا الوضع، بدأت الحكومة سلسلة لقاءات مع المهنيين لمناقشة سلاسل الإنتاج والأمن الغذائي.
وترأس وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، الأسبوع المنصرم اجتماعي عمل، على التوالي، مع مهنيي سلسلتي اللحوم الحمراء والحليب، تم خلالهما مناقشة وضعية الثروة الحيوانية الوطنية، وأسعار الحيوانات واللحوم الحمراء، ومختلف القضايا ذات الصلة بالاستيراد، وتزويد السوق الوطنية باللحوم الحمراء والحليب بشكل طبيعي.
وأوضح بيان للوزارة أن الأطراف اتفقت خلال هذه اللقاءات على عدد من التدابير الرامية للحفاظ على المكتسبات المرتبطة بتنمية السلسلتين ومنها:
- مواصلة دعم علف الماشية لفائدة مربي الأبقار والأغنام والمنتجات المركبة للتسمين ودعم استيراد الأعلاف الحيوانية وإعداد قانون حول تربية الماشية.
- تطوير الزراعات العلفية القادرة على الصمود أمام الجفاف، على غرار الذرة البيضاء.
- تنظيم التلقيح الاصطناعي، واستيراد وبيع البذور، وتطوير إنتاج السلالات المختلطة الأكثر إنتاجية.
- الحفاظ على إناث الأغنام والأبقار، وبلورة إطار تنظيمي لوحدات تسمين الأبقار والأغنام.
وأكد الوزير في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء عقب هذه الاجتماعات على أهمية التدابير الرامية لضمان تموين السوق الوطنية باللحوم الحمراء والحليب وتسهيل استيراد المواد الأولية للأعلاف والمكونات مثل مسحوق الحليب لإنتاج الجبن ومشتقات الألبان الأخرى.