استراتيجيات التقاعد وخطط الادخار الضرورية: اكتشف كيف تصنع مستقبلك المالي بخطوات بسيطة!
تروج العديد من الشركات أنها تولي اهتماما بقضية “التنوع والإنصاف والشمول” في بيئة العمل، وأنها تتبنى فكرة القيادة على أساس التنوع بين الجنسين، بيد أن الواقع يثبت عكس ذلك وأن تلك الشركات تتحدث أكثر مما تحققه بالفعل في هذا الصدد.
تصدرت ستيفاني كوهين، وهي مصرفية تتمتع بخبرة كبيرة، عناوين الصحف في منتصف شهر مارس/آذار الماضي، باعتبارها أحدث امرأة تشغل منصبا تنفيذيا بارزا تستقيل من عملها في بنك الاستثمار الدولي “جولدمان ساكس”.
كانت كوهين قد انضمت إلى فريق عمل البنك العملاق في وول ستريت في عام 1999، وارتقت في المناصب الإدارية حتى أصبحت شريكة في قيادة البنك في عام 2014، كما أشرفت مؤخرا على عمليات الخدمات الاستهلاكية والتكنولوجيا المالية في البنك، وكانت واحدة من أبرز النساء داخل المؤسسة.
حظي رحيل كوهين باهتمام خاص نظرا لأنه جاء في أعقاب أنباء استقالة سيدة بارزة أخرى، هي بيث هاماك، التي شاركت في قيادة مجموعة التمويل العالمية بالبنك.
وأثارت هذه الاستقالات تعليقات أدلى بها الرئيس التنفيذي للبنك، ديفيد سولومون، أكد فيها مضاعفة التزامه بتحقيق أكبر قدر من المساواة بين الجنسين في القيادة العليا للمؤسسة، وأضاف في بيان نشرته صحيفة وول ستريت جورنال لأول مرة: “أن الارتقاء بالنساء إلى أعلى المناصب الإدارية هو مجال لم نحقق فيه أهدافنا”.
وقال سولومون: “يعتمد نجاحنا على المدى الطويل بشكل كبير على تطوير شريكات في المناصب العليا”.
وعلى مدار السنوات الماضية، لوحظ ارتفاع كبير في عدد الشركات التي تعهدت بزيادة قدر التوازن بين الجنسين في مستويات الإدارة العليا، سواء داخل الخدمات المالية أو خارجها.
وأظهر أحدث تقرير سنوي أصدرته شركة “ماكينزي آند كومباني” بعنوان “المرأة في مكان العمل” أن نحو ثلاثة من كل أربعة من مديري الموارد البشرية وصفوا مبادرات “التنوع والمساواة والشمول” بأنها حاسمة في تحقيق نجاح شركاتهم في المستقبل، مع تركيز الكثير منهم بشكل خاص على التوازن بين الجنسين في بيئة العمل.
وعلى الرغم من ذلك، أظهرت دراسات حديثة أن هذه الالتزامات والمبادرات المعلنة لا تُترجم بالضرورة إلى واقع ملموس، إذ تُظهر بيانات أصدرتها مؤسسة “ستاندارد آند بورز ماركت إنتليجنس”، والتي نُشرت في مارس/آذار الماضي، أن زيادة تمثيل المرأة في جميع المناصب القيادية العليا في الولايات المتحدة تراجع إلى أدنى معدل له منذ ما يزيد على 10 سنوات في عام 2023، كما تراجعت مراكز النساء في جميع المناصب التنفيذية لأول مرة منذ أن بدأت مؤسسة “ستاندارد آند بورز” جمع البيانات في عام 2005.
وأظهرت دراسة المؤسسة أن المديرين التنفيذيين في الشركات التي تُطرح أسهمها في بورصة الأوراق المالية للتداول قضوا وقتا أقل في الحديث عن التنوع والشمول أثناء الحديث عن أرباح الشركات مع المساهمين، وشهد عام 2023 تراجع الحديث عن هذا الموضوع إلى أدنى مستوياته منذ عدة سنوات.
ويحذر الأكاديميون والخبراء التنظيميون حاليا من أن الشركات التي تحد من أولوية التنوع بين الجنسين تخاطر بخسارة سمعتها فضلا عن خسارة مالية.
“التضليل” بين الجنسين
إحدى الطرق التي تفسر حالة الانفصام بين تعهدات الشركة وما يحدث في واقع الحياة العملية هي أننا نشهد ما يمكن أن يعادل ظاهر يطلق عليها “الغسل الأخضر” بين الجنسين، ويصف مايكل سميتس، أستاذ الإدارة في كلية سايد للأعمال بجامعة أكسفورد، هذه الظاهرة بأنها “تضليل لأصحاب المصالح من خلال إبراز ادعاءات عامة جريئة دون الالتزام بتطبيق تلك الادعاءات”.
ويشير سميتس أيضا إلى أننا قد نشهد درجة يُطلق عليها “إرهاق المساواة بين الجنسين”، فمن الصعب تنفيذ مبادرات “التنوع والإنصاف والشمول” الفعّالة لأنها تتطلب معالجة التحيزات والقوالب النمطية وطرق العمل الراسخة في بيئة العمل، مضيفا أن بعض المنظمات ربما بدأت تفقد صبرها وتركيزها.
ويقول آخرون، من بينهم هيجونغ تشونغ، أستاذة علم الاجتماع والسياسة الاجتماعية بجامعة كينت بالمملكة المتحدة، إن الانفصام يمكن أن يرجع إلى طبيعة وديناميكيات سوق العمل، وعلى وجه التحديد، مدى كفاح النساء لصعود السلم الوظيفي.
وتضيف: “إن ثقافة العمل الخاصة والعودة إلى ممارسة المهام من المكتب… ربما تكون قد حدت من قدرة العديد من النساء على الوصول إلى مناصب قيادية عليا”.
وأظهرت بيانات في عام 2023 أعدادا قياسية من النساء العائدات إلى العمل من مستويات الوباء، وهو ما لم يُترجم إلى عدد النساء اللاتي يشغلن مناصب عليا.
بعبارة أخرى، تقترح تشونغ أن تلتزم الشركات علنا بتحقيق المزيد من التنوع بين الجنسين في مناصب الإدارة العليا، بيد أن معايير يوم العمل ومتطلبات بيئة العمل تعني أن بعض النساء، لاسيما النساء ذوات البشرة الداكنة، يشعرن بأنه ليس لديهن أي خيار سوى الاستقالة، وهذا بدوره يقلل من عدد المرشحات لتولي مناصب إدارية عليا.
كما توجد أدلة على أن مبادرات “التنوع والإنصاف والشمول” تبرز على السطح غالبا في بيئة سوق العمل عندما يكون الاقتصاد غير مستقر، إذ أظهرت إحدى الدراسات المستندة إلى بيانات من موقع “لينكيد إن” أنه “عندما تسوء ظروف العمل، تكون نسبة النساء أقل من المعينين الجدد في المناصب القيادية”.
“المشهد غير مستقر”
يقول بعض الأكاديميين إن النساء والعاملين من الجنسين ربما يشعرون بآثار رد الفعل العنيف ضد التطورات الأخيرة الرامية إلى تعزيز التنوع في سوق العمل.
وتقول تشونغ: “هناك نسبة كبيرة من السكان تعتقد أن الحركة النسوية قد ذهبت إلى أبعد من اللازم، لا أستطيع أن أقول إذا كانت الشركات لديها مثل هذه المعتقدات أم لا، على الأقل داخليا، لكنني لن أندهش إذا كان هذا هو الحال”.
ويتفق مع هذا الرأي نيكولاس بيرس، خبير مبادرات” التنوع والإنصاف والشمول”، والأستاذ في كلية كيلوج للإدارة بجامعة نورث وسترن بالولايات المتحدة، ومؤسس شركة الاستشارات الإدارية “ذا فوكاتي غروب” ورئيسها التنفيذي، إذ يقول إنه يشهد حربا متصاعدة على فكرة التنوع والإنصاف والشمول، وهي حرب مبنية على “اعتقاد خاطئ بشكل واضح ولكنه واسع الانتشار بشكل متزايد مفاده أن تلك المبادرات تميز بطبيعتها ضد الذكور من ذوي البشرة البيضاء”.
ويضيف: “تتحدث العديد من المنظمات عن مسارها بشأن مبادرات التنوع والإنصاف والشمول تفاديا أن تصبح أهدافا قانونية وسياسية. إن التأثير قصير المدى لهذا التحول الاستراتيجي الناجم عن الخوف يُترجم إلى ترقية عدد أقل من النساء والأشخاص أصحاب البشرة الداكنة في المناصب القيادية العليا داخل الشركات”.
“عواقب مكلفة”
يتفق خبراء الإدارة وغيرهم من العلماء المتخصصين في أبحاث مبادرات “التنوع والإنصاف والشمول” على أن أسباب الانفصام بين الالتزام والواقع من المحتمل أن تختلف بين الشركات، بيد أن الحقيقة تنطوي على أن جميع المنظمات تدلي بوعود فارغة، أي التصريحات بدون أفعال، يمكن أن تنطوي على عواقب.
وتظهر مجموعة متزايدة من الدراسات أن التنوع في القيادة يميل إلى إملاء التنوع والشعور بالشمول في جميع مستويات الأقدمية داخل المؤسسة، كما تظهر الأبحاث أن الشركات الأكثر تنوعا هي الأكثر مرونة والأكثر تطورا، وهو ما يجعلها أكثر نجاحا على المستوى الاقتصادي.
وتسلط أبحاث ماكينزي الضوء على أن الشركات التي تنتمي إلى أعلى 25 في المئة من حيث التنوع العرقي أو الإثني والجنسي كانت أكثر عرضة بنسبة 36 في المئة و25 في المئة على التوالي لتحقيق أرباح مالية عالية، وتظهر دراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي أن الشركات التي تحصل على درجات تنوع أفضل من المتوسط تحصل على 45 في المئة من متوسط الأرباح الناتجة من الابتكار، في حين أن الشركات التي تحصل على درجات تنوع أقل من المتوسط تحصل على 26 في المئة فقط.
وتؤكد هذه البيانات بشكل خاص الطبيعة غير المتوقعة للقرارات التي تتخذها الشركات خلال أوقات الاضطراب الاقتصادي لتقليل الجهود المبذولة الرامية إلى تعزيز التنوع، كما يشير البحث إلى أنه خلال هذه الأوقات المضطربة على وجه التحديد يجب أن يحتل التنوع في القيادة أولوية خاصة، كما يقول سميتس، ويعد الاستعانة بالمزيد من النساء في كوادر الإدارة التنفيذية إحدى الطرق التي يمكن للشركات من خلالها تحقيق ذلك.
ويضيف: “بدلا من استخدام العالم المضطرب غير المستقر كذريعة للحد من تمثيل المرأة في مجالس الإدارة، ربما ينبغي لنا أن نغتنم فرصة هذا العالم لمضاعفة جهودنا بغية تحقيق هذا الهدف (زيادة تمثيل المرأة) عاجلا وليس آجلا”.