خطوات نحو التربية الربانية

خطوات نحو التربية الربانية

كلٌّ منَّا يتمنى في سعيه لأبنائه وبناته أرقى مستويات التعليم، ونبذل ما استطعنا وأكثر لنيل ما تمنينا أن نرى عليه أبناءنا وبناتنا، آخذين في اعتبارنا مواكبة التطور وفق المناهج الحديثة، وما يُطلق عليه مصطلحات عديدة؛ مثل: “التربية الإيجابية” و”التعليم المرن” … إلـخ.

 

كل هذا أمرٌ محمودٌ في إطار بناء الشخصية المُـتعـلمة لاستصدار جيل من النُّبلاء والأدباء والمفكرين من أصحاب الرُّقي في التعليم التجريبي المُوحَّد الذي ربما يؤهلهم لنيل المراكز المرموقة في المجتمع.

 

ولكن توجيه التربية أو اقتصارها على خدمة التعليم التجريبي المُـوحَّد فقط، أمرٌ في غاية الأسف، حيث ينشأ ناشئ الفتيان على توجيه كل طاقته وإمكاناته لهذا التعليم التجريبي المُوحَّد، وربما يبلغ فيه مبلغًا كبيرًا، لكنه على الجانب التربوي الحقيقي يفتقر إلى إبراز باقي مميزاته كفرد نافع لأمته الإسلامية في المقام الأول، ويكون مُنتجًا تم إنتاجه عبر خط إنتاج عبر قالب تم تحجيم طاقاته وإمكاناته من خلاله، وربما اتخذ مع ما بلغ من رُقي تعليمه ومكانته أفكارًا ملوَّثة تصطدم بصحيح الإسلام، ثم يقضي عمره كله متبنيًا هذه الأفكار مدافعًا عنها مُتـخذًا من نفسه درعًا للباطل وعنقًا للزور.

 

إن مشكلتنا كآباء دائمًا أننا – فيما نتصور- نريد أن نبني ونؤمِّن مستقبل أولادنا ماديًّا واجتماعيًّا، وننحى في هذا الاتجاه منحًى ماديًّا غريبًا، كأننا نحدد الأرزاق أو الأقدار أو المستقبل، وكل هذا ليس من تدبيرنا؛ إنما هو من تدبير الله تبارك وتعالى، ورغم أننا شاهدنا من حولنا أبناء كثيرين كانت أرزاقهم المادية والاجتماعية أوفر بكثير من آبائهم، لكن حرصنا في هذا لا ينثني، ولو أننا حرصنا نصف هذا الحرص بشكل حقيقي – دون ادِّعاء – من أجل الاهتمام بدين أبنائنا وبناتنا لاستصدرنا جيلًا تم إعداده لبناء أمة، ولحصدنا في قبورنا جبالًا من الحسنات، ونلنا رفعة في الدرجات، من سعي أبنائنا وبناتنا بعد رحيلنا عن هذه الدنيا.

 

ودائمًا يكون لنا أسبابنا عندما ننحى المنحى المادي فقط في تربية أبنائنا وبناتنا تاركين دينهم في مهب الريح والفتن، ونقول: أبناؤنا ضعاف ونريد أن نؤمن مستقبلهم في هذه الدنيا، هذه الدنيا التي لو طالت بهم وعمروا فيها لعاشوا مائة عام على أقصى تقدير.

 

لنربي أبناءنا تربية ربَّانية، علينا أن نُجدد نياتنا ونُربيهم لله، وفي سبيل الله، علينا أن نُعلمهم الخشية من الله أولًا وآخرًا، وتلقينهم بأنه سبحانه يعلم حتى خائنة الأعين وما تخفي الصدور، علينا أن نزرع في قلوبهم الإخلاص بدفع اختياراتهم إلى ما يُرضي الله ابتغاء وجهه وحده لا شريك له، ونعلمهم مجاهدة أنفسهم ليتساوى عندهم المدح والذم، طالما كان العمل الذي يعملونه في مرضاة الله، فلا يفرحوا بالثناء أو يقهروا أنفسهم تحت الذم، علينا أن نعلم أنفسنا ونعلمهم كيف نفرد الله بالخلق والملك والتدبير والعبادة، ونتقرب إليه بأسمائه وصفاته عمليًّا وليس بالقول فقط.

 

لنربي أبناءنا تربية ربَّانية، علينا ألا نُبرز في عقولهم وأذهانهم، وألَّا نُسكن قلوبهم قدوة إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، ونجعل التزام ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، عهدًا على رقابهم يوفون به طوال أعمارهم في هذه الدنيا الفانية.

 

لنربي أبناءنا تربية ربَّانية، علينا أن نداوم على محو آثـار نكات الدنيا ونزعاتها من قلوبهم، كما نحرص على محو آثار الملوثات من ثيابهم، فكلما نكتت الدنيا في قلوبهم نكتة سوداء سارعنا بعلاجها لنحول دون قلوبهم والأهواء، فلا تألف قلوبهم الحياة مع المنكر والباطل والبغي دون أن تنكره.

 

لنربي أبناءنا تربية ربَّانية، علينا أن نربط قلوبهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رباطًا وثيقًا، وذلك بـجميل التدرج وطيب الكلام والتشجيع والمكافأة، فإنها ملاذ الأجيال الآمن ونبراسها المبين.

 

لنربي أبناءنا تربية ربَّانية، علينا أن نتقي الله فيهم ولا نطعمهم إلا من الحلال، فتنبت أجسادهم كالزرع من الأرض على بركة تقوى الله والأكل من الحلال، ويصلب عودهم على الاستقامة، فلو مال يومًا مع الهوى سُـرعان ما يعود العود لاستقامته.

 

لنربي أبناءنا تربية ربَّانية، علينا أن ندعو الله أن يحفظهم وأن يربيهم لنا، وأن يكتبهم في الصالحين، ولا ندعو بهلاكهم وخراب حياتهم حتى ولو بسبق اللسان مهما حدث، فلا ندري متى تُفتح أبواب السماء لقبول الدعوات، حتى لا تتكرر في حياتنا أحداث مُهلكة مثل قصة جريج العابد مع أمه عندما دعت عليه.

 

لنربي أبناءنا تربيةً ربَّانيةً، علينا أن نضعهم على طريق الأعمال الصالحات، فيجمعون بين القول باللسان، والاعتقاد بالقلب، والعمل بالأركان؛ ليحققوا الإيمان، حتى يلقوا الله على حسن خاتمة.

 

Read Previous

نسويات (1) خدعوني فقالوا…

Read Next

كبت المشاعر يهدد حياتك بالخطر

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *