تدريب المعلمين الجدد بين الواقع وما نتطلع إليه

تدريب المعلمين الجُدُد بين الواقع وما نتطلع إليه

 

شَهِدت الساحة في الفترة الأخيرة رواجًا كبيرًا في مجال التدريب لإعداد معلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها، ورغم كثرة هذه الدورات وكثرة المُسجَّلين فيها فإن المشكلة الحقيقية تكمن في عدة أسئلة تَجُول بخاطر الكثيرين وهي:

1) هل هذه الدورات فعلًا كافية لإعداد معلم قادر على الوقوف أمام طلاب أجانب والتدريس لهم؟

2) هل المدرب فعلًا مؤهل لإعطاء هذه الدورة التدريبية؟

3) هل هذه الدورة التدريبية من مؤسسة مرموقة ولها باع في مجال تعليم العربية لغير الناطقين بها؟

4) ما المحتوى الذي يجب أن يتلقَّاه المتدرب ليكون مؤهلًا حقًّا للتدريس؟

 

أولًا: إن كثيرًا من المتدربين بعد انتهائهم من معظم الدورات التدريبية يشعرون بنقص كبير في الإعداد، وبأن هذه الدورات لم تقدم لهم شيئًا مفيدًا، والسبب في ذلك يرجع إلى أن معظمهم لم يُعَدَّ الإعداد الأكاديمي المناسب، فمعظم هؤلاء المتدربين لم يتخرجوا في كليات اللغة العربية، ولا يعرفون شيئًا عن اللغة وفنونها، ثم يلتحقون بالدورات فيجدون المدرب يحدثهم عن طرق تدريس القواعد أو غيرها من الفنون التي لا يعرفونها ولم يتقنوها، إنَّ حال هؤلاء كمن يتعلم مهارات البيع والشراء وهو لا يعلم شيئًا عن البضاعة التي يبيعها، ومن هنا تأتي المشكلة؛ فالأساس لا بد أن يكون متينًا كي يُبْنَى عليه، ومن ثم لن تنفع هؤلاء آلاف الدورات قبل الإعداد الأكاديمي.

 

ثانيًا: تصَدَّى للتدريب في الفترة الأخيرة مجموعة من غير المتخصصين أو الذين لم يدرسوا العربية لغير الناطقين بها من قبل، مستغلين جهل المقبلين على هذه الدورات وعدم وعيهم بمؤهلات المدرب الناجح؛ ولذلك يجب على أي متدرب قبل التسجيل في أي دورة أن يسأل عن المدرب ومؤهلاته، وهل دَرَّسَ العربية للأجانب من قبل؟ وما المدة التي دَرَّسَها؟ كل ذلك في صالح المتدرب؛ لأن فاقد الشيء لا يُعطيه.

 

وأودُّ أن أشير هنا إلى أن الخبرة الحقيقية سواء في التدريس أو التدريب إنما تُحسَب بعدد الساعات وليس بعدد السنوات، فلو افترضنا مثلًا أن هناك اثنين من المعلمين كلاهما درَّسَ العربية لغير الناطقين بها مدة خمس سنوات، أحدهما كان يدرِّس خمس ساعات في اليوم، والآخر كان يدرِّس ثماني ساعات في اليوم، فهل يستويان في الخبرة؟

 

ثالثًا: لا بد أن تكون الدورة من مؤسسة تعليمية مرموقة، ولها ثِقَل في مجال تعليم العربية لغير الناطقين بها، ويفضل أن تكون مؤسسة حكومية تتبع جامعة أو كلية معينة، حتى تكون الشهادة ذات نفع للمتدرب فيما بعد، ورغم أن الهدف هو جودة المحتوى المُقَدَّم ومدى أَهْلية المدرب فإن الشهادة وسيلة مهمة للحصول على العمل فيما بعد.

 

رابعًا: إن واقع الدورات المقدمة في المجال هذه الأيام يشهد نقدًا كبيرًا من حيث المحتوى المقدم فيها، والمدة الكافية للتأهيل، فنسمع عن دورة تُقدَّم في يومين، وأخرى تُقدَّم في ثلاثة أيام، وغير ذلك، لكن هل هذا كافٍ لإعداد المعلم؟

 

إن الدورة التدريبية في رأيي لا بد أن تحتوي- على الأقل – على ما يلي:

1) تعريف عام بمجال تعليم العربية لغير الناطقين بها، وأبرز الفروق بينه وبين تعليم العربية للناطقين بها.

2) كيفية التعامل مع الطلاب الأجانب.

3) تحديد مستوى الطلاب.

4) مهارات اللقاء الأول في صفوف تعليم العربية لغير الناطقين بها.

5) تدريس المهارات اللغوية.

6) مناهج تعليم العربية لغير الناطقين بها.

7) إعداد الاختبارات والمواد التعليمية.

8) تعليم العربية لغير الناطقين بها عبر الشبكة الدولية.

9) تعليم العربية للأطفال غير الناطقين بالعربية.

 

وليفكر كلُّ مدرب في المدة الكافية لكل محور من المحاور السابقة، بحيث يُلِمُّ المتدرِّب على الأقل بنسبة ستين أو سبعين في المائة بمحتوى كل محور، والهدف المرجو منه.

 

إن الدورة التدريبية إن احتوت على المحاور السابقة مع وجود المعلم المؤهل أكاديميًّا والمدرب المؤهل، فلا شك أنها ستكون دورة ناجحة، صحيح أنها ستحتاج إلى وقت طويل، وربما يكون سعرها مرتفعًا، لكن هذه هي الأسس المهمة لكل متدرب كي يكون أهلًا للتدريس والوقوف أمام الطلاب الأجانب، والأهم من ذلك أن يكون راضيًا عن نفسه وعن مستواه، وأن يعلم أن هؤلاء الطلاب أمانة في عنقه فلا يستغل جهلهم وعدم معرفتهم.

Read Previous

Steps Toward Divine Upbringing

Read Next

نسويات (1) خدعوني فقالوا…

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *